التطور التكنلوجي : رفاهية اليوم.. واستعمار الغد. بقلم: سيدي عثمان صيكه

مقالات

التطور التكنلوجي: رفاهية اليوم.. واستعمار الغد.

عندما نراقب بعين المتأمل ما وصل إليه التطور التكنولوجي، ونشهد تلك القفزات العملاقة في مجال الذكاء الاصطناعي، نلمس بأيدينا صورة لم تكن حتى في أحلام الإنسان قبل سنوات.

فاليوم.. تغزو الروبوتات والآلات الذكية كافة جوانب حياتنا، من المجالات الطبية والتعليمية إلى المصانع والبيوت..

هذا الابتكار الجريء، الذي بُني على أكتاف العلماء والمهندسين، لا يخفى ما يحمله من فوائد كبيرة للبشرية؛.. من تقليص المسافات الزمنية في إنجاز المهام، وتحسين جودة الحياة، وتطوير حلول علمية لمشاكل كانت تبدو عصية على الحل.

ولكن..
مع هذا التقدم، هناك ظلال من المخاوف تطل علينا من زاوية أخرى..

فحين نسمع التوقعات التي يسوقها المهندسون اليابانيون وغيرهم، نجد أنفسنا أمام مشهد مستقبلي يبدو لأول وهلة ساحرًا، ولكنه سرعان ما يتضح أنه مملوء بالتناقضات..

فبحسب هذه التوقعات، في حدود منتصف هذا القرن، سيصبح استبدال الإنسان بالآلات حقيقة ملموسة، حيث يتوقع العلماء الاستغناء عن 90% من الوظائف البشرية لصالح الروبوتات..

تلك الآلات، التي لا تعرف التعب ولا المرض، ستحل محل البشر في أغلب مجالات العمل؛.. وهذا بحد ذاته قد يبدو تحقيقًا للرفاهية التي طالما سعى إليها الإنسان، ولكن أي رفاهية هذه التي تقودنا نحو الكسل والخمول؟

إن الاعتماد المفرط على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي سيحول البشر إلى كائنات خاملة.. وعاطلة عن العمل.. لا تجد لذاتها دورًا حقيقيًا في الحياة. .

ومع هذا الخمول، ستظهر الأمراض التي تنتج عن الكسل والترف، مثل السمنة المفرطة والسكري، وتنتشر بأشكال غير مسبوقة.

وستغدو حياة الإنسان تحت رحمة الآلات التي تسلبه حتى قدرته على الحركة، وسيصبح الهدف الأسمى في حياة البشرية هو كيفية التعامل مع تبعات هذا التطور، بدلاً من التركيز على الإنسان ذاته.

وفي النهاية..
سيكون المستفيد الأكبر من هذا التحول هو مصانع الأدوية والشركات المصنعة للروبوتات.

بينما يتدهور الإنسان من الداخل، وتنمو هذه الصناعات على حسابه، لتنتج دواءً يعالج أعراض الكسل والمرض، وروبوتات تستمر في إحلال نفسها مكانه في المجتمع..

وفي هذا السياق، سنصبح أمام استعمار جديد.. استعمار بطله التكنولوجيا وروادها من الشركات العملاقة التي ستسيطر على كل زاوية من زوايا حياتنا.

إن هذا الاستعمار الجديد لن يكون بالغزو العسكري، بل سيكون احتلالًا للعقول والإرادات..

وفي الوقت الذي يفقد فيه الإنسان سيطرته على أدواته، تتحول تلك الأدوات إلى قوى لا يمكن التحكم بها، تشكل العالم وفق رؤيتها الخاصة.

وهذا هو التحدي الكبير الذي سنواجهه، وهو تحدٍ يطرح علينا سؤالًا عميقًا: إلى أي مدى سنستمر في استخدام التكنولوجيا كأداة للرفاهية قبل أن تتحول إلى سيد علينا؟..
وهل يمكن للبشرية أن تتجنب مصيرًا يصوغ فيه الروبوتات مستقبلها على حساب إنسانيتها؟.

-سيدي عثمان ولد صيكه