(بائع الفحم) الذي يخاف الله/ ( قصة وقعت احداثها في مدينة انواذيبو.)

تقارير

(بائع الفحم) الذي يخاف الله..

(قصة حقيقية وقعت أحداثها في مدينة أنواذيبو.)

في مطلع السبعينات أيام كانت مدينة نواذيبو شبه معزولة عن بقية الوطن اللهم من الرحلة الشاقة عبر قطار السكة الحديدية
أو رحلات محدودة عبر الخطوط الجوية ليس في مقدور السواد الأعظم من السكان أنذاك حجز تذاكرها لصعوبة الظروف و حداثة عهدهم بالمدينة وضيق ذات اليد ووجود معظم السكان في أكواخ خشبية قبل التخطيط العمراني للمدينة.

وقد كانت الرحلة برا بين العاصمتين السياسية والاقتصادية محفوفة بصعوبات ومخاطر جمة لوعورة الطريق غير المعبد أنذاك ومسالكه المتشعبة و تقاطعاته مع المحيط مدا وجزرا و ووعورة الطريق على الساحل البحري مع خطر الضياع في متاهة من الصحراء الموحشة والمفتوحة التي تفتقد لأبسط مقومات الحياة وتتميز بقساوة الطبيعة في طريق تجيد الطبيعة القاسية محو معالمه كل مرة ولا يسعف في حال فقد أثر الطريق قرب منجد في تلك الفيافي المقفرة أو وصول مرشد في الحين في ذلك التيه.

كان من بين الواصلين الجدد للمدينة أنذاك و عبر إحدى الشاحنات الكبيرة المخصصة لنقل البضائع مواطن بسيط ومتواضع في مقتبل ريعان الشباب وينحدر من إحدى الولايات الشرقية يمتهن بيع الفحم وقد اختار ان يجرب حظه في سوق نواذيبو بدل العاصمة انواكشوط التي تعلم فيها اصول العمل ومتعلقاته و ربط فيها علاقات وطيدة بموردي هذه المادة التي يكثر عليها الطلب من طرف الزبناء.

أحتاج صاحبنا لقليل من الوقت ليحجز لنفسه مكانا لعرض بضاعته أمام منزل قديم مقابل للسوق المركزي والأوحد في المدينة ليبدأ فصولا من الكفاح والكدح ويتوسع نشاطه في ذلك الحيز ولكونه اشتهر بين التجار بالإستقامة والصدق اصبحت لديه علاقات قوية مع جيرانه من كبار التجار في السوق سمعة طيبة مكنته ايضا من أن ينال ثقة صاحب المنزل الذي يبيع الفحم قبالته أهلته لأن يجعله مسؤولا عن قبض ثمن إيجار منزل مالك الدار مقابل عمولة عن هذا العمل.

لتمر الأيام حيث آل المنزل لمالك جديد ينحدر بدوره من إحدى الولايات الشرقية أشتراه من مالكه القديم وكان المالك الجديد أحد تجار السوق ربطته صداقة قوية ببائع الفحم وقد أعاد له نفس المسؤولية بخصوص تولي تحصيل ايجار المنزل الذي ينثر بضاعته أمامه في حيز مقابل للسوق وكان بائع الفحم مخلصا في عمله وتسليم الإيجار واقتطاع عمولته المتفق عليها تماما كما كان يفعل مع سابقه.

وبعد سنوات قرر التاجر المالك الجديد العودة لولايته الأصلية وهو تاجر ميسور الحال ومعروف في المنطقة هناك وقد أنقطعت الصلة به حيث وافاه الأجل المحتوم في موطن صباه بين اهله وابنائه.

وفي يوم من الأيام وبينما كان نجل مالك المنزل رحمه الله يفتش في بعض وثائقة إذا بوثائق البيعة وملكية المنزل مخبأة في أحد جيوب محفظة قديمة لم يحدثها عنهم الوالد سابقا حيث ترشد تلك الوثائق إلى منزل يعود لملكيته في مدينة نواذيبو.

قرر الإبن أصطحاب الوثائق والسفر إلى مدينة نواذيبو للتقصي عن المنزل المملوك من طرف والده والذي لم يكن ضمن ممتلكاته المعروفة التي احصتها العائلة وفقا للأحكام الشرعية المتعلقة بالميراث.

وبعد أن وصل للمدينة تواصل مع بعض معارف واصدقاء الوالد في السوق حيث ارشدوه لصديقه (بائع الفحم) الذي التقى معه بمعية مجموعة من معارفه لهم سابق معرفة بالرجلين وبعد أن سرد له كيف عثر على الوثائق واطمأن لكونه ابن صديقه الراحل أبلغ بائع الفحم ابن صديقه بصحة الوثائق وانه كان ينتظر كل تلك السنوات من يتسلم عنه أمانة ماجمعه خلالها من تحصيل إيجار المنزل حيث أن والد الإبن رحمه الله سافر دون أن يكلفه بتسليمها لأي شخص ولم يعلم حتى بخبر وفاته قبل هذا الوقت.

أستأذن بائع الفحم ضيوفه ودخل إلى المنزل الكبير متعدظ الحجرات السكنية ليجلب معه من رواق داخل المنزل خنشة كبيرة تكاد تنتصف من الأوراق النقدية هي حصيلة ايجار المنزل كل تلك السنوات وسلمها للإبن بعد ان طلب من الجميع حسابها وتسليم الابن له بشهادة من حضر كتابة خطية تجعله في حل منها ليتم الأمر وسط حالة ذهول أنتابت الجميع من استقامة صبر الرجل على هذه الأمانة الثقيلة بالرغم من حاجته الماسة إليها في بعض الاحيان .
وسط هذه الأجواء والمشاعر المختلطة التي ترشد إلى نفاسة معدن هذا الرجل وزهده قابل الإبن هذا الوفاء بصنيع لا يقل عنه وقعا وأثرا في النفوس حيث قال إنه بحكم عدم ارتباطه في المدينة سيبيع الدار التي تساوي ثروة بحكم غلاء اسعار المنازل المحاذية للسوق ومن تثمنها سيشتري منزلا لبائع الفحم جزاء على هذا الموقف وهذا الإخلاص.
تردد بائع الفحم في قبول الجائزة مؤكدا أن الأمر لا يعدو كونه واجب شرعي ووفاء لصديق لم يعرف منه الا حسن المعاشرة والثقة المتبادلة.

لكن بعد ان تهافتت عليه الجماعة متوسلة إياه قبول المكافأة إكراما لإبن صديقه الراحل قبل الجائزة وهو ما تم فعلا بعد ذلك
لتتكامل بذلك أحداث هذه القصة التي حدثت فعلا في مدينة نواذيبو وكان بطلها تاجر بسيط صادق الوعد ويخاف الله.